(4)مقالات مسلسله من كتاب دربة اولاد علي للشيخ /عتمان ابوالزعالة
لماذا سميت بالذرية: أو الدربة بفتح الدال وبضمها فالدرب هو المضيق بين جبلين،الدرب كل طريق والجمع دروب، والدربة بالضم هي الضراوة والجراءة، الدراب الحاذقبصناعته وبذلك اطلق اسم الدربة على هذه النصوص الضابطة للمجتمع على طريقواحد في كل شئونه كما أطلق اسم الدربة على المتمرس الدارب الحاذق على واضع الدريةلتمكنه وضبطه وتدربه على هذه الأحكام في شكلها الاجتماعي، والسياسي والقضائي.ولذلك حرص المشرع على تسمية هذا الدستور بالدربة دون أي اسم آخر مثلالطريق أو السبيل، أو المسرب لأن الذرب هو الممر بين جبلين لا يمكن أن يتغير أويتحول وذلك لتمسك المشرع بأن يكون هذا الدستور دائم البقاء لهذا النظام القبلي بعرفهوعادته كبقاء الذرب بين تضاريس الجبال.وذلك لأن تطابق الاسم، والمسمى بين طبيعة القوم الثابتة وطبيعة الحال الراسيةوهذا ما جرى بعد ذلك إلى يومنا هذا دون نكبر أو تغير العمل بالدربة، تشريعا، وتطبيقا، وتنفيذا وقبولا بأحكامها هو عمل من أعمالالاجتهاد فرع من القانون وتنفيذه عن طريق الالتزام الأخلاقي الذي تم وضعه بصياغةقانونية عامة، ومجردة كما سيرد لاحقا في هذا البحث .وهو عمل من أعمال الاجتهاد الفقهي الإسلامي تماما فالمشرع لهذه الدربة استقىمن مواد الشريعة العناصر الفقهية اللازمة لضبط مواد الدربة من ناحية صياغة اللفظومن ناحية وجوب تنفيذه، فأخذ المشرع لقانون الدربة الادلة من مصادر التشريع فيالفقه الإسلامي المجمع عليهاالكتاب والسنة، والإجماع ومنمثل القياس والمصالح المرسلة، والعرف، والاستحسان، والاستصحاب، وغيرها منالأصول الفقهية كما أخذ المشرع لوضع بنود هذه الدربة من أصول الفقه الإسلامي،وقواعد الفقه العامة وهذا واضح وجلي في استدلالهم لذلك كما سيأتي.المختلفوهيعليهوهو أيضا عمل من أعمال الاجتهاد العرفي من العرف العام، ومن العرف الخاصوذلك طبقا للثوابت الدينية من عقيدة، وشريعة وأخلاق وهذا مطابقا تماما لما نص عليهالأصوليون في تعريف العرف بقولهم.(العرف هو ما استقر في النفوس من جهة العقول، وتلقته الطباع السليمة بالقبول)وبذلك يتم الحكم وفقا للمتعارف عليه بين هذه القبائل من أعراف سليمة وغير فاسدةلتكون الأعراف محكمة في القضاء، والتحكيم، كما هي ثابتة من أفعال القوم وأخلاقهموقد جاء أيضا (الثابت بالعرف كالثابت بالنص).والدربة هي الدستور الضابط والمرجعية عند الاحتكام، وتسمى أيضا بالعرفأو الأعراف وبذلك تكون الدربة حاكمة على العادات القائمة والعادات غير الجاريةأو الحادثة، وفي كل الأحوال يكون أصل القانون هو الرجوع إلى هذه الدربة عند تغيرالعادات أو إثباتها وفي ذلك جاء قولهم: «العرب بين دربة، وعادة» أي بين دستور دائم وهو الدربة، وعادة جارية وهي أعمال القوم، وكذلك لم تطبق في فراغ وإنها نشأت فيمجتمع يؤمن بهذا القانون لقد نشأت هذه الدربة في مجتمع هو مؤمن بها في حياته وواقعه،فهي أعرافا صحيحة وسليمة تكونت مع مرور الأزمان، ومع تغير الأحوال وتبدلالمكان، فقد خرجت هذه الدربة كنتيجة فعلية من رحم هذه التكوينات القبلية وذلكوفقا لعقيدتهم في دين الإسلام ومذاهبه الفقهية المعتبرة.فقد عاشت هذه الأعراف واستمدت حياتها وبقاءها من حياة، وبقاء معتنقيهاوذلك وفقا تركيبهم العضوي ووفقا لواقعهم الذاتي، فقد كانت الحاجة ماسة للسير فيهذا الدرب طلبا للأمن والأمان، والسلامة والإسلام فقد كان المشرع يقرر واقعا حياقائها بين هؤلاء القوم ولم يكن هناك انفصال بين حلقاتها المتناسقة، المتصلة عبر الزمانوالمكان.وبذلك وضعت الدربة لتكون وثيقة وعهد بين أبناء هذه القبائل القاطنة في هذهصحاري الممتدة من نيل مصر وحتى خليج سدرة وحتى عمق الواحات وهذا الأمرس بدعا من البدع وإنا لهم أسوة بوثيقة المدينة التي وضعها نبي هذه الأمة سيدنا محمدالله عليه وسلم وجاء فيها من البنود ما يعتبر أصلا وأسوة لهذه الدربة وهو ما يفيد بنصه.«المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين».