‫الرئيسية‬ مقالات اميرشهداءمعارك اكتوبر
مقالات - أكتوبر 10, 2022

اميرشهداءمعارك اكتوبر

إبراهيم الرفاعي

أسطورة الصاعقة

أمير شهداء معارك أكتوبر

كتبت شيماء محمد

هو إبراهيم السيد محمد إبراهيم الرفاعي (1931 – 1973) قائد المجموعة 39 قتال صاعقة خاصة إبان حرب أكتوبر المجيدة واستشهد فيها يوم الجمعة 19 أكتوبر 1973- 23 رمضان 1393 بعد أن ضرب أروع المثل في الفدائية والشجاعة في القتال.

من مواليد قرية الخلالة – مركز بلقاس بمحافظة الدقهلية في 27 يونيو عام 1931، وقد ورث عن جده والد والدته (الأميرالاى) عبد الوهاب لبيب التقاليد العسكرية والرغبة في التضحية فداءً للوطن كما كان لنشأته وسط أسرة تتمسك بالقيم الدينية أكبر الأثر على ثقافته وأخلاقه.

التحق إبراهيم بالكلية الحربية عام 1951 وتخرج 1954، وانضم عقب تخرجه إلى سلاح المشاة وكان ضمن أول فرقة قوات الصاعقة المصرية في منطقة (أبو عجيلة) ولفت الأنظار بشدة خلال مراحل التدريب لشجاعته وجرأته منقطعة النظير.

تم تعينه مدرساً بمدرسة الصاعقة وشارك في بناء أول قوة للصاعقة المصرية وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر 1956 شارك في الدفاع عن مدينة بورسعيد. يمكن القول أن معارك بورسعيد من أهم مراحل حياة البطل إبراهيم الرفاعي، إذ عرف مكانه تماما في القتال خلف خطوط العدو، وقد كان لدى البطل اقتناع تام بأنه لن يستطيع أن يتقدم ما لم يتعلم فواصل السير على طريق اكتساب الخبرات وتنمية إمكاناته فالتحق بفرقة ‘بمدرسة المظلات’ ثم انتقل لقيادة وحدات الصاعقة للعمل كرئيس عمليات.

أتت حرب اليمن لتزيد خبرات ومهارات البطل أضعاف ويتولى خلالها منصب قائد كتيبة صاعقة بفضل مجهوده والدور الكبير الذي قام به خلال المعارك، حتى أن التقارير التي أعقبت الحرب ذكرت أنه ضابط مقاتل من الطراز الأول جرئ وشجاع ويعتمد عليه، يميل إلى التشبث برأيه محارب ينتظره مستقبل باهر. خلال عام 1965 صدر قرار بترقيته ترقية استثنائية تقديرًا للإعمال البطولية التي قام بها في الميدان اليمنى.

بعد معارك 1967 وفي يوم 5 أغسطس 1968 بدأت قيادة القوات المسلحة في تشكيل مجموعة صغيرة من الفدائيين للقيام ببعض العمليات الخاصة في سيناء باسم فرع العمليات الخاصة التابعة للمخابرات الحربية والاستطلاع كمحاولة من القيادة لاستعادة القوات المسلحة ثقتها بنفسها والقضاء على إحساس العدو الإسرائيلي بالأمن، وبأمر من مدير إدارة المخابرات الحربية اللواء محمد أحمد صادق وقع الاختيار على البطل / إبراهيم الرفاعي لقيادة هذه المجموعة، فبدأ على الفور في اختيار العناصر الصالحة

أول العمليات المرعبة :

كانت أول عمليات هذه المجموعة نسف قطار للعدو عند ‘الشيخ زويد’ ثم نسف ‘مخازن الذخيرة’ التي تركتها قواتنا عند انسحابها من معارك 1967، وبعد هاتين العمليتين الناجحتين، وصل لإبراهيم خطاب شكر من وزير الحربية على المجهود الذي يبذله في قيادة المجموعة.

مع الوقت كبرت المجموعة التي يقودها البطل وصار الانضمام إليها شرفا يسعى إليه الكثيرون من أبناء القوات المسلحة، وزادت العمليات الناجحة ووطأت أقدام جنود المجموعة الباسلة مناطق كثيرة داخل سيناء، فصار اختيار اسم لهذه المجموعة أمر ضرورى، وبالفعل أُطلق على المجموعة اسم المجموعة 39 قتال، وذلك من يوم 25 يوليو1969 وأختار الشهيد البطل إبراهيم الرفاعي شعار رأس النمر كرمز للمجموعة ، وهو نفس الشعار الذي اتخذه الشهيد أحمد عبد العزيز خلال معارك 1948.

كانت نيران المجموعة أول نيران مصرية تطلق في سيناء بعد نكسة 1967 ، وأصبحت عملياتها مصدرًا للرعب والهول والدمار على العدو الإسرائيلي أفرادًا ومعدات، ومع نهاية كل عملية كان إبراهيم يبدو سعيدًا كالعصفور تواقا لعملية جديدة، يبث بها الرعب في نفوس العدو. فقد نسف مع مجموعته قطارا ً للجنود والضباط الاسرائليين عند منطقة الشيخ زويد.

وبعدها صدر قرار من القيادة المصرية بنسف مخازن الذخيرة التي خلفتها القوات المصرية إبان الانسحاب وكان نجاح هذه العملية دربا ً من الخيال بل كان نوعا ً من المستحيل ولكن الرفاعي ورجاله تمكنوا من الوصول إليها وتفجيرها حتى إن النيران ظلت مشتعلة في تلك المخازن ثلاثة أيام كاملة.
وفي مطلع عام 1968 نشرت إسرائيل مجموعة من صواريخ أرض – أرض لإجهاض أي عملية بناء للقوات المصرية.. وعلي الرغم من أن إسرائيل كانت متشددة في إخفاء هذه الصواريخ بكل وسائل التمويه والخداع.. إلا أن وحدات الاستطلاع كشفت العديد منها علي طول خط المواجهة.

ولم يكن الفريق أول عبد المنعم رياض في هذه الأثناء يعرف طعم للنوم أو الراحة أو التأجيل أو الاسترخاء في معركته التي بدأها من أجل إعادة بناء القوات المسلحة المصرية.. فأرسل علي الفور إلي المقاتل الثائر إبراهيم الرفاعي.. وكان الطلب “إسرائيل نشرت صواريخ في الضفة الشرقية.. عايزين منها صواريخ يا رفاعي بأي ثمن لمعرفة مدي تأثيرها علي الأفراد والمعدات في حالة استخدامها ضد جنودنا”.
انتهت كلمات رئيس الأركان.. وتحول الرفاعي إلي جمرة من اللهب. ولم تمض سوي أيام قلائل لم ينم خلالها إبراهيم الرفاعي ورجاله.. فبالقدر الذي أحكموا به التخطيط أحكموا به التنفيذ.. فلم يكن الرفاعي يترك شيئا ً للصدفة أو يسمح بمساحة للفشل.

فكان النجاح المذهل في العملية ، فعبر برجاله قناة السويس وبأسلوب الرفاعي السريع الصاعق أستطاع أن يعود وليس بصاروخ واحد وإنما بثلاثة صواريخ.. وأحدثت هذه العملية دويا ً هائلا ً في الأوساط المصرية والإسرائيلية علي حد سواء حتى تم على إثرها عزل القائد الإسرائيلي المسؤول عن قواعد الصواريخ.

ووصف الجنرال الذهبي عبد المنعم رياض هذه العملية بقوله (كانت من المهام الخطيرة في الحروب.. ومن العمليات البارزة أيضاً التي ارتبطت باسم الرفاعي عندما عبر خلف خطوط العدو في جنح الليل.. ونجح في أسر جندي إسرائيلي عاد به إلي غرب القناة”. كان هذا الأسير هو الملازم داني شمعون.. بطل الجيش الإسرائيلي في المصارعة ولكن الرفاعي أخذه من أحضان جيشه إلي قلب القاهرة دون خدش واحد.

وتتوالي عمليات الرفاعي الناجحة حتى أحدثت رأيا عاماً مصرياً مفاده “أن في قدره القوات المصرية العبور وإحداث أضرار في الجيش الإسرائيلي”.. بل إنها دبت الرعب في نفوس الاسرائليين حتى أطلقوا علي الرفاعي ورجاله مجموعة الأشباح.

وصبيحة استشهاد الفريق عبد المنعم رياض طلب عبد الناصر القيام برد فعل سريع وقوي ومدوي حتى لا تتأثر معنويات الجيش المصري باستشهاد قائده.. فعبر الرفاعي القناة واحتل برجاله موقع المعدية 6.. الذي أطلقت منه القذائف التي كانت سبباً في استشهاد الفريق رياض.. وأباد كل من كان في الموقع من الضباط والجنود البالغ عددهم 44 عنصرا ً إسرائيليا ً..حتي أن إسرائيل من هول هذه العملية وضخامتها تقدمت باحتجاج إلي مجلس الأمن في 9 مارس 1969.. يفيد أن جنودهم تم قتلهم بوحشية.. ولم يكتف الرفاعي بذلك بل رفع العلم المصري علي حطام المعدية 6.. بعد تدميرها وكان هذا العلم يرفرف لأول مره علي القطاع المحتل منذ 67.. ويبقي مرفوعاً قرابة الثلاثة أشهر.

صرخات العدو
تناقلت أخباره ومجموعته الرهيبة وحدات القوات المسلحة، لم يكن عبوره هو الخبر أنما عودته دائما ما كانت المفاجأة، فبعد كل إغارة ناجحة لمجموعته تلتقط أجهزة التصنت المصرية صرخات العدو وأستغاثات جنوده، وفي إحدى المرات أثناء عودته من إغارة جديدة قدم له ضابط مخابرات هدية عبارة عن شريط تسجيل ممتلئ باستغاثات العدو وصرخات جنوده كالنساء.

مع حلول أغسطس عام 1970 بدأت الأصوات ترتفع في مناطق كثيرة من العالم منادية بالسلام بينما يضع الرفاعي برامج جديدة للتدريب ويرسم خططا للهجوم، كانوا يتحدثون عن السلام ويستعد هو برجاله للحرب، كان يؤكد أن الطريق الوحيد لإستعادة الأرض والكرامة هو القتال، كان على يقين بإن المعركة قادمة وعليه أعداد رجاله في انتظار المعركة المرتقبة.

صدق حدس الشهيد وبدأت معركة السادس من أكتوبر المجيدة، ومع الضربة الجوية الأولى وصيحات الله أكبر، أنطلقت كتيبة الصاعقة التي يقودها البطل وقبل الضربات الجويه الأولى ببضع ساعات دخل وفرقته لتدمير ما يطلق عليه مدافع أبو جاموس بعيون موسى ثم في ثلاث طائرات هليكوبتر لتدمير آبار البترول في منطقة بلاعيم شرق القناة لحرمان العدو من الاستفادة منها وينجح الرجال في تنفيذ المهمة .

وتتوالى عمليات المجموعة الناجحة ففي السابع من أكتوبر تُغير المجموعة على مواقع العدو الإسرائيلي بمنطقتي شرم الشيخ ورأس محمد وفي السابع من أكتوبر تنجح المجموعة في الإغارة على مطار (الطور) وتدمير بعض الطائرات الرابضة به مما أصاب القيادة الإسرائيلية بالارتباك من سرعة ودقة الضربات المتتالية لرجال الصاعقة المصرية البواسل.

في الثامن عشر من أكتوبر تم تكليف مجموعة البطل بمهمة اختراق مواقع العدو غرب القناة والوصول إلى منطقة (الدفرسوار) لتدمير المعبر الذي أقامه العدو لعبور قواته، وبالفعل تصل المجموعة فجر التاسع عشر من أكتوبر في نفس الوقت الذي تتغير فيه التعليمات إلى تدمير قوات العدو ومدرعاته ومنعها من التقدم في اتجاه طريق (‘الإسماعيلية / القاهرة’).

وعلى ضوء التطورات الجديدة يبدأ البطل في التحرك بفرقته، فيصل إلى منطقة (نفيشه) في صباح اليوم التالى، ثم جسر (المحسمة) حيث قسم قواته إلى ثلاث مجموعات، أحتلت مجموعتين إحدى التباب وكانت تكليفات المجموعة الثالثة تنظيم مجموعة من الكمائن على طول الطريق من جسر (المحسمة) إلى قرية (نفيشه) لتحقيق الشق الدفاعي لمواقعها الجديدة. وما وصلت مدرعات العدو حتى أنهالت عليها قذائف الـ (آر بي جي) لتثنيه عن التقدم، ويرفض بطلنا / إبراهيم الرفاعي هذا النصر السريع ويأمر رجاله بمطاردة مدرعات العدو لتكبيده أكبر الخسائر في الأرواح والمعدات.

يحكي أبو الحسن قصة الثغرة واستشهاد الشهيد العميد إبراهيم الرفاعي فيقول : كنا بعد كل عملية كأننا نولد من جديد فكنا ننزل في أجازة ولكن بعد الثغرة عدنا إلي مقرنا وتوقعنا أن نحصل علي أجازة ولكننا وجدنا الرفاعي وقد سبقنا وفوجئنا أن هناك سلاح تم صرفه لنا وكله مضاد للدبابات وكانت الأوامر أن نحمل السلاح علي السيارات ونعود مرة أخرى إلي الإسماعيلية ودخلنا الإسماعيلية ورأينا الأهوال مما كان يفعله الإسرائيليين بجنودنا من الذبح وفتح البطون والعبور فوق الجثث بالدبابات، وكان العائدون من الثغرة يسألوننا أنتم رايحين فين وكنا نسأل أنفسنا هذا السؤال وكنت أجلس في آخر سيارة وكانت سيارة (الذخيرة) وكان ذلك خطر لأن أي كمين يقوم بالتركيز علي أول سيارة وآخر سيارة، ورأي أحد السائقين 3 مواسير دبابات إسرائيلية تختفي وراء تبة رمال وكانوا ينتظروننا بعد أن رأونا وكنا متجهين لمطار فايد، وأبلغنا السائق باللاسلكي وصدرت الأوامر بالتراجع فنزلت من السيارة بسرعة لأننا كنا نسير فوق (مدق) وحوله رمال وكان الإسرائيليون يزرعون الألغام بتلك الرمال فحاولت توجيه السائق حتى لا ينزل إلي الرمال وهو يدور بالسيارة ولكن السائق رجع بظهره بسرعة ووراؤه بقية السيارات وعدنا للإسماعيلية وجاء أمر لنا بأن نعود لفايد مرة أخرى فعدنا وودعنا بعضنا قبل الدخول لأننا أيقننا أن داخلين علي الموت ودخلت السيارات تحت الشجر وترجلنا ومعنا أسلحتنا وقررنا أن نفعل شيء ذو قيمة قبل أن نموت وفوجئ اليهود بما ليس في بالهم وبدأنا في التدمير و(هجنا هياج الموت) وصعد أربعة منا فوق قواعد الصواريخ وكان الرفاعي من ضمننا وبدأنا في ضرب دبابات العدو وبدؤوا هم يبحثوا عن قائدنا حتى لاحظوا أن الرفاعي يعلق برقبته ثلاثة أجهزة اتصال فعرفوا أنه القائد وأخرجوا مجموعة كاملة من المدفعية ورأيناهم فقفزت من فوق قاعدة الصواريخ وقفز زملائي ولم يقفز الرفاعي وحاولت أن أسحب يده ليقفز ولكنه (زغدني) ورفض أن يقفز وظل يضرب في الإسرائيليين حتى أصابته شظية فأنزلناه وطلبنا أن تحضر لنا سيارة عن طريق اللاسلكي وكنا نشك أن أي سائق سيحضر ولكن سائق اسمه سليم حضر بسرعة بالسيارة ووضعنا الرفاعي فيها ولكن السيارة غرزت في الرمال فنزل السائق وزميله لدفعها وقدتها ودارت السيارة ولم أتوقف حتى يركبوا معي من شدة الضرب الموجه لنا فتعلقوا في السيارة وسحبتهم ورائي، وكان الرفاعي عادة ما يرتدي حذاء ذا لون مختلف عن بقية المجموعة وعندما رأي زملاؤنا حذاؤه أبلغوا باللاسلكي أن الرفاعي أصيب وسمعهم اليهود وعرفوا الخبر وكانت فرحتهم لا توصف حتى أنهم أطلقوا الهاونات الكاشفة احتفالاً بالمناسبة وذهبنا به لمستشفي الجلاء وحضر الطبيب وكانت الدماء تملأ صدره وقال لنا (أدخلوا أبوكم) فأدخلناه غرفة العمليات ورفضنا أن نخرج فنهرنا الطبيب فطلبنا منه أن ننظر إليه قبل أن نخرج فقال أمامكم دقيقة واحدة فدخلنا إليه وقبلته في جبهته وأخذت مسدسه ومفاتيحه ومحفظته ولم نستطع أن نتماسك لأننا علمنا أن الرفاعي استشهد وكان يوم جمعة يوم 23 رمضان وكان صائماً فقد كان رحمة الله يأمرنا بالإفطار ويرفض أن يفطر وقد تسلمنا جثته بعد ثلاثة أيام وفي حياتنا لم نر ميت يظل جسمه دافئاً بعد وفاته بثلاثة أيام وتنبعث منه رائحة المسك.. رحمة الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تكريم لأبرز الشخصيات العربية