ماعاد القمر يطل
قصة قصيرة
حسين نصيب المالكي
في مراسم جنائزية حزينة ، توقفت السيارات أمام باب تلك المقبرة ، غربي طبرق ببضعة كيلوات ، ترجل منها أخوة المرحوم الشاب الخلوق ، وكذلك المشيعين، حملوه في تابوت على أكتافهم، حتى دخلوا به المقبرة ، كان ثمة من جهز له قبرا هناك في زاوية المقبرة الغربي، أخذوا الجثمان المسجى ،من التابوت ووضعوه في قبره، في تؤدة وحزن ، وأهالوا عليه التراب.
كان أحد أخوته ينتحب ويبكي في حرقة ولوعة ، وبعد الدعاء له بالرحمة، وقراءة سورة الفاتحة عليه ، لم استطع أن أقول شيئا في رثاء المرحوم تلعثمت وانحدرت دمعة على وجنتي الذابلة
تركت مراسم الدفن، وانسحبت نحو قبر عزيزعلي أيضا، خطوت نحو القبر، اقتعدت حجرا ،وأخذت أمسد قبر جسد الغالية وقرأت عليه سورة الفاتحة وقلت لها :
- أهلا غاليتي .
لقد كانت الراحلة الجميلة ، تطل علي كل أسبوع في غرفتي بعد العصر ، وهي تحمل طفلتها في يدها، ويتبعها طفلها ذو الأربع سنوات ، كانت تبادرني :- مساء الخير يا أبي ..
تمد لي بعلبة الحلوى الصغيرة، التي جاءت بها هدية لي، هي أحب إلي من بناتي الأخريات ، لم تغضبني يوما في حياتها، كنت أتمنى أن تغضبني حتى تبقى على قيد الحياة ، ولكن لاقدرة فالله هو المعطي، وهو الذي استرد أمانته..
عندما مرضت حار الأطباء في أمرها، مررت بها على أكثر من طبيب وعيادة ، ومعي زوجها الشاب الخلوق ، حتى عندما أدخلناها المستشفى الليبي الألماني ، مكثت أسبوع وأخرجها الطبيب ، قائلا لنا:- انها شفيت .
ولكن ما أن عادت إلي مدينتها، حتى اشتد المرض عليها وودعتنا ورحلت..
أخذت أمسد التراب على قبرها ، وأروي شجرة الصبار بزجاجة الماء التي في يدي، حتى أفرغتها تماما خاطبتها قائلا لها :- زوجك الشاب الخلوق الطيب، حتى هو لم يتحمل غيابك الطويل ، هاهو يدخل قبره اليوم، على بعد خطوات منك ، يهدونك السلام مريم ومصطفى وهما في أعناقنا أمانة ، عمتك المسنة تقول لك انها تشعر بالحزن الشديد لرحيلكما ، وغرفتك التي أصبحت موصدة دائما، وأمك عندما تتذكرك تغرورق عيناها بالدموع وتنحدر على وجنتيها الذابلتين ..
التفت حولي لم أجد أحدا ، كلهم انسحبوا ،نهضت وعدت بخفي حنين في أسى وحزن دفين..