‫الرئيسية‬ مقالات دور المثقف في الزمن الردىء
مقالات - أكتوبر 3, 2020

دور المثقف في الزمن الردىء

كتب – الدكتور / يسري عبد الغني

يعتبر المثقف صوت الأمة ولسان شعبها ، و العين التي يرى من خلالها المجتمع ما يحدث في العالم من مجريات وأخطار ، بكافة أشكالها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية .. ضغوط دولية ..ثقافات غازية .. عولمة تريد التهام هوية الشباب وعقولهم ، ولهذا يمكن اعتبار المثقف جنديا يقف على ثغرة هامة في بنيان مجتمعه ، حين يبصّر ويحلّل ويوضّح الحقائق وينبّه إلى المخاطر ، ومتى ما كانت هذه الثغرة محصنة بالوعي والإخلاص ، سيبقى المجتمع آمنا من أي متسلل أو طامع .
ومن الملاحظ وجود تباين واضح في موقف المثقفين والمبدعين حين تشتد الأمور و تتعدد صور العدوان على الأمة ، فهناك من المثقفين من يكتفي بدور المتفرج إزاء ما يحدث ، وكأنه غير معني بما يجري ، سابحا في قضاياه الشخصية ، يغرق الناس في أمور فلسفية لا تعود عليهم بشيء ، وهناك من يلبس ثوب التشاؤم والرثاء ، وإلقاء اللوم على المجتمعات، ويشيع ثقافة اليأس من أي أمل في النجاة ، وهناك نوع انتهازي وصولي ، يستغل الأحداث لتلميع صورته وإبراز اسمه في كل ميدان ، شخص لا يعطي الحلول ولا ترتجى منه الحقائق ، بل يجعجع ويتغنى بالأحداث تماشيا مع الجو المحيط ، يميل مع كل ريح ، ليس له هوية ، ولا يستمر مع قضية ، فهو صاحب قلم منافق ، وصوت يتلوّن حسب السياسات العالمية ، أما النوع الذي ننشده في مقالنا هذا فهو المثقف الفاعل ، الذي يدرك أنه صفوة المجتمع ، وأن لقب مثقف أو مبدع إنما هو لقب مسؤولية لا تشريف ، إنه نوع لا يصيبه اليأس من التناقضات الموجودة ، و تتملكه الغيرة على وطنه وشعبه وعالمه العربي ، ويسعى بكل حرقة للتغيير والتنوير .
في الوقت الذي ننادي فيه المجتمع بضرورة أن يفتح أبوابه للمثقف المبدع ، وأن تفرد له المساحات الإعلامية كي يوصل صوت الحقيقة للآخرين ، فإننا في الوقت ذاته نطالب المثقف سواء كان قارئا أو كاتبا أو فنانا أو إعلاميا ، أن يعمّق دوره المؤثر في المجتمع من خلال ما يلي :
1- أن يكون إيجابيا في تفكيره ومواقفه ، ساعيا إلى نشر ثقافة التفاؤل و الإنتاج بدلا من اليأس والتباكي على الأمجاد الماضية .
2- أن يمتلك حصانة فكرية قوية ، تحميه من أي ثقافات دخيلة ، وأن يكون قادرا على تكوين فكر مستقل خاص به ، ساعيا إلى التحليل الواقعي السليم .
3- أن يكون أمينا في طرح المعلومة متجردا من أي حزبية أو طائفية أو مصلحة شخصية ، كل ما يحركه هو الغيرة على مجتمعه وأمته ودينه ، والرغبة العميقة في تغيير واقعه إلى الأفضل .
4- أن لا ينبهر أو ينساق وراء التهويل الذي قد يجري لبعض القضايا ، فيتعامل مع الأحداث بموضوعية ، ولا يعطي الأمور أكبر من حجمها، ويسعى إلى تحري الحقيقة أينما كانت ، لأنه مؤتمن على إيصالها للآخرين .
5- أن يطرق القضايا الحقيقية التي تلامس أوجاع الأمة ، وتحدث تغييرا فعليا في عقلية المتلقي ، ويحذر من السير وراء القضايا التافهة التي لا يهمها سوى الإثارة الإعلامية ، وتغييب العقل العربي وراء اهتمامات تصيبه بالخدر والتبلد .
6- أن يقرأ التاريخ قراءة صائبة محللة ، فالتاريخ كما يقولون يعيد نفسه ، حتى يستطيع أن يستشف من تلك الوقائع التاريخية ما قد تصل إليه أمتنا في هذه المرحلة الحاسمة ، وأن يتحرك على ضوء ما يفهم للتغيير والإصلاح .
7- أن يمسك زمام المبادرة في توعية المجتمع ، من بث روح الحماسة والتفاعل مع القضايا ، بمعنى أن يحمل همّ الأمة في قلبه فيتحدث عنه أينما سار ، ويبرز قضيته بالطريقة المعبرة والمؤثرة حسب مجاله الذي يعمل به ، فكريا كان أو قصصيا أو فنيا أو إعلاميا ، يتواجد في الملتقيات ، يحاضر ، ينقد ويشارك ، يدرك تمام الإدراك أنه مطالب بهذا الدور أمام الله وأمام أمته ، أن الأمة لن تنهض إلا بعقول أبنائها وعلو هممهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في كلمة مسجلة أمام منتدى الغرفة التجارية الأمريكية:

في كلمة مسجلة أمام منتدى الغرفة التجارية الأمريكية:مدبولي: نلتزم بالعمل بشكل شامل مع جميع …