الاتيكيت والبادية
كتب – سعيد خميس الشرصي
من أكثر المقولات جهلاً بالحقائق الاجتماعية تلك المقولات التي تضع مفهوم (البداوة) على الضد من مفهوم (الإتيكيت)!
لو عرف أصحاب هذه المقولات بادية العرب عن قرب لاكتشفوا أنهم أمام لائحة من أكثر لوائح الاتيكيت تعقيداً وتفصيلاً.
البدو قوم يهزون فناجين قهوتهم دون ضجيج كي لا يشوشوا على المتحدث في المجلس.
ويتحاشون القيام بعد فراغهم من الأكل قبل التأكد من شبع الجميع كي لا يحرج أحد الطاعمين عندما يجد نفسه وحيداً على بقية الطعام.
ويحرص ضيفهم على الرفع من الطعام المقدم إليه قبل مدّ يده بالأكل خشية أن يكون أصحاب الدار قد وضعوا بين يديه كل ما لديهم منه.
ويرفعون أصواتهم بالنحنحة عندما يكحّ أحدهم أو يشرُق حتى لا يشعر بالإحراج من ارتفاع صوته بغير حول منه ولا إرادة.
ويتجنبون الالتفات أثناء توجيه الحديث إليهم حتى لا يشعر المتكلم بعدم اهتمامهم.
ويمتنعون تماماً عن المناجاة أو الأحاديث الجانبية في المجلس العامّ كي لا يثير حديثهم الارتياب.
ويتفادون سؤال ضيفهم بشكل مباشر حتى لا يشعر بأنّ هناك من يستجوبه.
ولديهم أنظمة ترتّب الأولويات في التحية والمصافحة والضيافة والعطاء على نحو استكمالي لا يكاد يعرفه سواهم.
وغير ذلك الكثير الكثير مما لا يتسع المجال لذكره.
الشعور بالآخر سمة بارزة في كل تصرفات بادية العرب. وربما هو كذلك عند غيرهم من بوادي الأمم الأخرى.
الإتيكيت ليس وليد المدنية بل أن المدن في مجملها بيئات مغيّبة له.
أما إتيكيت النخب في المدن فيبدو أنّه صناعة ارستقراطية ولكن ما الذي يعنيه هذا؟
طبقات الأرستقراط في كل الحقب التاريخية تقريباً هي طبقات تنحدر من المتغلب الرعوي حديث العهد ببداوة!
هكذا نشأت ارستقراطيات الروم والعرب والترك وغيرهم وعلى المعترض مؤونة البحث عن استثناء.
الاتيكيت صنيعة الرعاة عند التأمّل ووجوده في المدن انعكاس لغشيانهم وعلوّهم فيها وليس العكس.
ولكنه لا يلبث بعد حين أن يتحوّر بطبائع المدن ليصبح إتيكيتا منزوع الفوائد لأنه يفقد معناه المنطلق من الشعور بالآخر إلى معنى الشعور بالذات في عين الآخر، ذلك المعنى الذي لم تكن الصحراء لتحتمل ترفه كما تفعل المدن.
في كلمة مسجلة أمام منتدى الغرفة التجارية الأمريكية:
في كلمة مسجلة أمام منتدى الغرفة التجارية الأمريكية:مدبولي: نلتزم بالعمل بشكل شامل مع جميع …